الأربعاء، 29 أكتوبر 2008

العلاقة الحيوية بين الأحياء والبيئة











العلاقة المتبادلة بين الكائنات الحية والوسط الطبيعي
يتألف الكوكب الأرضي ومحيطه من عدة أقسام تغلفه وتكون محتواه وبنيته العامة توضعت لتلائم وتساعد على نشوء الحياة
أ - القسم الداخلي في تكوين القشرة الأرضية الصلبة : ويحتوي هذا القسم على التوضعات الصخرية ضمن القشرة الأرضية والسطح العام لهذه القشرة وما يحتويه من أنواع التربة والمعادن المنحلة بها والمشكل من جبال وسهول ووديان وصحارى وسهوب وشواطئ رملية وغيرها ويدعى ( بالليتوسفير ) .
ب - الغلاف المائي لهذا الكوكب : ويتألف من مياه المحيطات والبحار والأنهار والبحيرات ويشمل القشرة المائية ويدعى ( بالهيدروسفير ) .
حـ - الغلاف الجوي المحيط بالأرض : ويتألف من الهواء وبخار الماء وغيرها ويتألف الهواء ضمن هذا الغلاف من الأكسجين بنسبة 20.93 % وثاني أكسيد الكربون بنسبة 0.04 % والنتروجين والغازات الخاملة الأخر بنسبة 79.04 % ويمكن أن يشبع هذا الغلاف ببخار الماء بنسبة تتراوح بين 50-80 % ويدعى ( الأتموسفير ) .
وما يوحد الأغلفة الثلاثة احتواءها على أعداد متنوعة من الأحياء المختلفة جميعها تمتلك خاصية أساسية وهي عملية التمثيل الغذائي والنشاط الحيوي والفاعلية البيئية والتكاثر والتركيب الخلوي .
فالانتشار الواسع لعالم الكائنات الحية على كامل المساحة الجغرافية للأرض يعمق البنية الحيوية والتنوع الحيوي للأحياء ويعطيها تفاعلاً ينسجم مع طريقة حياتها ، فالأحياء قائمة على التنوع في الأشكال والوظائف والمهام والتنوع في أماكن تواجدها ويمكن أن تتواجد الكائنات الحية في المناطق الدائمة التجمد ويعيش قسم منها على سطح الأرض وقسم أخر في جوف الأرض وتوجد أحياء متنوعة في المياه والمحيطات والبحار ويعيش قسم من هذه الأحياء ضمن الغلاف الجوي ، فالاختلاف في أماكن التواجد يؤدي إلى اختلاف التنوع فالاختلافات الناشئة الظاهرة والمتأصلة في الكائنات الحية عموماً ناتجة عن اكتساب ميزات تطورية عديدة ومتكيفات متنوعة وعلاقات متعددة . كما أن لدور التأقلم مع الظروف الطبيعية والوسط الحاوي على الأحياء ما يعطيها التنوع والاختلاف في البنية والأشكال وقدرة هذه الكائنات على الانسجام مع المتغيرات الجارية في نظامها البيئي على مدار التقلبات الجارية على طبيعة هذا الكوكب انطلاقا من الظروف الأولية التي تشكلت منها هذه الأحياء وحتى الوقت الراهن .
فالعمليات الحيوية الجارية في بنية الكائنات الحية ،تتوقف بالدرجة الأساسية على درجة حرارة الوسط ومهما بلغت الحرارة في انخفاضها داخل مناطق على هذا الكوكب كما هو في القطب الجنوبي يمكن أن نجد كائنات حية دقيقة وحشرات متخصصة تخصصاً عالياً ، وتوجد لدى بعض الكائنات الحية قدرة هائلة للعيش في أجواء باردة جداً ،تصل درجة الحرارة فيها إلى 200درجة تحت الصفر دون أن تفقد قدرتها على الحياة فالطاقة الكامنة والباعثة للحياة متعمقة في التكوين والتأصل والتأقلم مع وجود يعادي نظام الحياة بشكل رهيب .
فالحياة الحية حياة متأصلة في الوجود ضمن ظروف متباينة مختلفة وقاهرة ، فالعمق الحيوي للأحياء يعطيها فاعلية الاستمرار ضمن أوساط بالغة الصعوبة لأن التكوينات الحية القائمة عليها معدة لأن تتوافق مع التغيرات والتقلبات الطارئة والظروف الصعبة ،فالقدرة الهائلة لبعض الديدان واستمرارها على قيد الحياة ضمن أجواء باردة جداً تصل إلى 240 درجة مئوية تحت الصفر في ظروف جافة إلى حد ما ، كما أن لبعض الأحياء القدرة على الحياة ضمن أجواء بالغة السخونة والجفاف حيث توجد أحياء في الصحارى القاحلة وفي ظروف شديدة الجفاف ، فالصحراء الليبية حيث تصل درجة لحرارة إلى 60 درجة مئوية فوق الصفر في الظل يمكن أن توجد أحياء تمارس نشاطها الحيوي في ظروف بالغة الصعوبة ، فالإنسان يتحمل الحرارة العالية ويمكن أن تصل درجة الحرارة التي يتحملها الإنسان إلى 150درجة مئوية فوق الصفر لفترة محدودة يعوض الجفاف عن طريق التعرق الدائم لترطيب سطح الجلد وفي ظروف بعيدة عن المنبع الحراري وفي مياه العيون الساخنة والحارة وضمن درجة الحرارة تصل إلى 99 درجة مئوية فوق الصفر تعيش بعض البكتريا والطحالب ، وبعض الأسماك الجميلة الملونة تعيش في مياه تصل درجة حرارتها إلى 50درجة مئوية فوق الصفر ،فالماء من ضروريات الحياة بشكلها العام وأكثر الأصناف من الأحياء تعيش في وسط مائي ،وجميع الأحياء التي تعيش على سطح الأرض تحتاج إلى الماء بنسب متفاوتة .
توجد في جمهورية السودان في منطقة حلفا وفي صحراء أتاكاما في تشيلي بعض الديدان والحيوانات الدودية خاضعة لنظام جاف وصعب حيث كمية الأمطار لا تتجاوز واحد مليمتر قي السنة ومع ذلك فإنها تتكيف مع هذه الظروف وتتحول إلى كتلة غير منتظمة في الشكل وكأنها فقدت الحياة تماماًً ، وما إن تعود الظروف المناسبة أو تنتقل إلى أماكن مناسبة ،فإنها تعود لتبدأ نشاطها من جديد فالقدرة الكامنة عند الأحياء على تحمل الظروف الصعبة تتوافق مع الظروف التي تعيشها هذه الكائنات ، ولجميع الكائنات القدرة على التكيف والتأقلم مع المتغيرات الجارية في نظام البيئة ، ولكن ضمن ظروف غير قاهرة بالمطلق ،ولكل نوع من الأحياء نظام حماية خاص به يؤمن له البقاء والاستمرار في الحياة ،وعندما يتغير الواقع إلى الدرجة التي لا تستطيع معها تأمين نظام الحماية الذاتية من خطر الظروف الطارئة فإن الكائن يموت .
فالهواء الجوي له فاعلية ضرورية في نظام الأحياء لأن القسم الأعظم منها يعتمد في حياته على الهواء بصورة أساسية وهي غير قادرة للتخلي عن الهواء لدقائق معدودة لكنها قادرة للتخلي عن الماء لأيام ، أما الطعام فإنها قادرة على التخلي عنه لفترة أطول فالأكسجين الجوي والمائي الحر يدخل ضمن نظام الأحياء لأنه يؤمن الضرورة الفعلية للتمثيل الغذائي داخل الخلايا الحية ، فالحياة الأرضية قائمة على نظام الأكسجين في وجودها وهي تؤمن هذا العنصر بوسائل متباينة ،فلكل نوع من الأحياء نظامه في استهلاك الأكسجين من الوسط الكائن فيه ،وهناك كائنات قادرة على الحياة في نظام خالي من الأكسجين تماماً ويمكنها العيش في أعماق تصل إلى 400متر تحت سطح الأرض وقادرة على القيام بعمليات حيوية هامة فالنفط المخزن في أعماق الأرض ناتج عن تأثير الجراثيم اللاهوائية على المواد العضوية المطمورة داخل الأرض ، فالأحياء بتنوعها الغريب قائمة على تأمين التوازن الحي من الطبيعة لأنها متكاملة النشوء والتشكل ولكل مجال في نظام الحياة الطبيعية نظام من الأحياء القاطنة به ،وغالباً ما تتواجد الأحياء في نظام الأحياء الأخرى أو ضمن بنيتها الحية . فالتداخل الحيوي الكوني تداخل كلي وشامل لكل مكوناته الأساسية القابلة للحياة ،فالواقع الحي يجعل من نظام الوجود القائم عليه صيغة متميزة من نظام الكون الواسع . وللكائنات الحية القدرة على التكيف مع ارتفاع وانخفاض الضغط الجوي بصورة متباينة ومختلفة ،فهناك كائنات حية قادرة على تحمل ضغط هائل قد يصل إلى 8000ضغط جوي ومثل هذا الضغط تتحمله فطريات الخميرة وفي أعماق المحيطات توجد كائنات حية في ظروف ضغط أعلى من ذلك وهي تمارس نشاطها بحيوية والإنسان يعيش في ظروف ضغط جوي يعادل 760 ملمتر زئبقي وهو يعادل واحد ضغط جوي .
هناك بعض الكائنات الحية قادرة على العيش في ظروف ضغط منخفض جدا ًويمكن أن نجدها في طبقات الجو العليا مثل البكتيريا وفطريات العفن فالكائنات تمتلك قدرات عالية للتحمل في ظروف صعبة للغاية ،فالخصائص الحية ضمن وجود قائم على الصعوبات ينظم وجوده ذاتياً للتكيف مع هذه الظروف ليتمكن من الملاءمة بين الحياة والعقبات الطارئة مما يؤدي إلى قدرة تحمل بعض الإشعاعات بصورة متباينة عند بعض الكائنات الحية فالنباتات قادرة على تحمل إشعاعات قد تصل إلى جوالي 200000رونتجن ويوجد بعض أنواع من البكتريا يمكن أن يعيش في خامات اليورانيوم ذات الفعالية العالية للإشعاع كما أن بعض مفصليات الأرجل لديها قدرة عالية على تحمل كميات عالية من الإشعاع وهي تفوق 300مرة الكمية التي تسبب ضرر للإنسان
فالاختلاف المتباين في ظروف المعيشة لدى الكائنات الحية وتنوع البنى الحاوية لهذه الأحياء ، واختلاف مظاهرها وأوضاعها الطبيعية في نظام الحياة على كوكب الأرض يعطيها مواصفات عضوية متعددة ويجعل نظام الحياة يتخذ مظاهر متنوعة لأحياء مختلفة في طريقه تفاعلها مع الوسط الخارجي المحيط بوجودها فالعلاقات الحية لنظام الأحياء تقوم على التوازن والإستقرار والتكيف ،وكأن الحياة تعطي وجوداً نوعياً للأحياء لتعيش وفق خصوصيتها الذاتية ، وبالتالي فالتنوع القائم والمتغير في هذا الوجود يتناسب مع التنوع القائم في نظام الأحياء ويعطيه قدرة الاستمرار مهما تغيرت الظروف .
العلاقة المتبادلة بين الكائنات الحية
الكون نظام متجدد ومتسع من العلاقات المتبادلة لأنها تؤمن انتظام وجود الكون ضمن كل متحد في نظام يجري منذ أن بدأ ،ولأن عمق انتظام الكون قائم على الدقة فإن نظام الحياة قائم على الدقة كما أن الكون قائم على التبادل والتأثير فإن الأحياء قائمة على علاقات التبادل والتأثير المتبادل
في كل مكان ضمن مجال النشوء الحي توجد الحياة وجميع الكائنات الحية تتبادل التفاعل والتأثير فيما بينها من خلال الاشتراك الحيوي لتأمين مجتمعات حية مختلطة بين النبات والحيوان ،ولكل مجتمع فيها نظام تفاعلي خاص بوجوده ،فالنباتات تتبادل التأثير والتفاعل فيما بينها وهي قائمة على علاقة عضوية من التعايش المشترك ضمن نظام بيئي ،وتشارك الكائنات الحية الأخرى في الملكة الحيوانية علاقات التفاعل لأن تبادل المنفعة بين الملكة النباتية والحيوانية يعمق التوازن في المجال الحي ،فالحيوانات غير قادرة على الثبات أمام التحديات المصيرية بدون الاعتماد المباشر على المملكة النباتية ،فالحياة العضوية تشكل سلسلة متواصلة من الحلقات المتحدة ،وأي إتلاف أو تأثير لإحدى الحلاقات يصيب السلسلة بالانقطاع وتفقد الأحياء استمرارها الحي .
فالتواجد النوعي لأفراد المجتمعات الحية يؤمن علاقة قائمة على التبادل ،غالباً ما تكون مباشرة حيث يتغذى نوع على نوع أخر ،وأحياناً غير مباشرة من خلال وجود حلاقات وسطية تنظم عمليات مكملة لتأمين حاجات الحياة ،ومن خلال التواجد ضمن نظام بيئي تفاعلي تكتسب الأحياء صفات تجعلها قابلة للتأقلم ضمن النظام البيئي ،فالحياة نظام مشترك لكل الكائنات .
فتبادل المنفعة المشتركة بين الكائنات الحية يحقق صورة التأقلم في المجال الحيوي وفي ظروف مواتية لذاك التأقلم والتوافق في العلاقات بين مختلف الأنواع النباتية الحيوانية لتعيش في جو آمن من نظام بيئي عام .
فالنظام القائم بين الأحياء على تبادل المنفعة المشتركة يعمق الوجود الحي ويعطيه مقدرة عالية على الاستمرار ويمكن أن تساعد الكائنات بعضها البعض في تأمين حاجاتها الأساسية والضرورية لعملها الحيوي فبعض البكتيريا تعيش في الجهاز الهضمي للإنسان وتقوم بإفراز فيتامينات ( PP –K ) الضروريان لحاجة الإنسان ، وفي معدة الحيوانات المجترة تعيش أنواع من البكتيريا تقوم بتحليل السليلوز إلى سكر وبدون وجود هذه البكتيريا فإن الحيوان سيحتاج إلى كميات أكبر من الطعام لتأمين حاجاته العضوية من الغذاء فالتبادل في النظام الحي والمنفعة المشتركة توسع الدائرة العضوية وتعطيها قابلية البقاء ضمن نظام الحياة المتحد منذ أقدم وجود حي .
نظام المشاركة في العيش يقوم على مبدأ استعمال أحد الكائنات ممتلكات الكائن الأخر دون أن يسبب له الأذى ،فالحاجات الغذائية اللازمة لنمو الكائن المتعايش لا تسبب للكائن المتعايش عليه أي سوء فالأميبيا غير المرضية تعيش في أمعاء الإنسان دون أن تسبب له أضرار صحية ، وهذا النوع من التعايش منسجم مع أسباب الوجود وقدرة بعض الكائنات على تأمين الظرف المناسب لحياة كائنات أخرى دون أن تسبب لنفسها الأذى .
ولا تقتصر المعيشة المشتركة على تبادل المنفعة والمشاركة في الحياة بل تتعداها إلى نوع من المعايشة تقوم على التطفل ،وضمن هذا النظام من الحياة يقوم الكائن المتطفل بالعيش على حساب الكائن العائل فالكائن العائل هنا يضحي بحياته لأجل الكائن الطفيلي ، ليعطيه نظام الحياة اللازمة لوجوده ،وهذا النوع من العلاقات قائمة على تضحية الكائن العائل بحياته من أجل تأمين الحياة لكائن أخر ضمن هذا النوع من الحياة الحية ،ويمكن أن يعيش الكائن الطفيلي ضمن جسم الكائن العائل ويقوم بالتكاثر الجنسي أو التكاثر اللاجنسي على حساب الكائن المضيف ويمكن أن ينتقل الكائن المتطفل من عائل إلى أخر محدثاً نظام علاقة طفيلية داخل النظام الحي ،وقد يؤدي وجود الكائن المتطفل إلى ظهور أجسام مضادة في جسم الكائن العائل مسبباً له التهاب موضعي أوكلي وتسوء حالته الصحية ونسبب له صدمات حيوية تؤدي إلى خلل في نظامه الحيوي لدرجة الانهيار . فالتلوث الناجم عن الكائنات المتطفلة يسمى بالهجوم ويكون الهجوم أحياناً في صورة إصابات فردية أو جماعية وغالباً ما ينتشر هذا الهجوم على نطاق واسع مسبباً إصابة منطقة أو دولة بأكملها ،فجرثومة الملاريا تتطفل على كريات الدم الحمراء وتؤدي إلى إصابات واسعة في منطقة تواجدها
فالكائنات الحية في مجال تواجدها متنوعة الظهور والعلاقات والتفاعلات في نظام قائم على التعددية الحيوية المطابقة لتنوع الأحياء المتواجدة في الوسط الطبيعي ، ولكل نوع من الكائنات الحية نظامه التفاعلي مع بقية الكائنات الأخرى ،وبالتالي فإن النظام الحيوي للأحياء يتم من خلال تبادل التأثير الإيجابي والسلبي لهذه الكائنات ،ومن الكائنات الحية ما يسبب الأذى للإنسان مثل الكائنات الحية المتصفة بمفصليات الأرجل مثل القمل والبراغيث والصراصير والقراد المنزلي وهي جميعاً من طائفة الطفيليات التي تعيش على امتصاص دم الإنسان وتسبب له إلتهابات بالغة الخطورة ،ومن المفصليات ما يكون مستوطن في المناطق السكانية والمنزلية مثل الذباب وأخرى تكون مستوطنة في البيئة الخارجية ضمن المستنقعات والأشجار مثل البعوض والبرغش والناموس ،إنها تلاحق الإنسان وتسبب له إزعاج متكرر على كامل الفترة الحياتية وخاصة أوقات الخلود إلى النوم لتلقي الراحة الضرورية لنظام حياته العامة ،وتسبب له أمراض كثيرة ومتنوعة مثل اللشمانيا والملاريا وكل هذه الأمراض من طائفة الأمراض المنقولة والقابلة للعدوى .
فالنظام الحي لا يخلو من التأثيرات الضارة لأحياء على حياة أحياء أخرى وغالباُ ما تعيش أحياء كاملة على حساب التغذية من كائنات أخرى
فالنظام البيئي المتغير على مساحات جغرافية ومناطقية متباينة تلائم كل واحدة منها نوع معين من الأحياء ويعيش في كل منطقة من هذه المناطق أنواع من الطيور والنباتات والحيوانات تحدد نوعية العلاقات المتبادلة بينها ،فالبيئة البحرية تختلف عن البيئة الصحراوية والبيئة الصحراوية تختلف عن البيئة القطبية المتجمدة ومابين المنطقة الاستوائية والمناطق المتجمدة يتدرج التنوع الحيوي ويأخذ أنماط مختلفة ومتباينة ولكل نوعية معينة من الأمراض المنقولة عن طريق الكائنات الحية القاطنة في منطقتها ومن خلال التنوع البيئي والتنوع في الأحياء يزداد التنوع المرضي والعلاقات المتبادلة داخل مجال النشوء الحي
3- النظام التاريخي لتنوع الكائنات الحية :
يعطينا البعد العميق لتنوع الحياة والكائنات الحية في النظام الأرضي بعداً متوافقاً مع التوضع الطبيعي للقشرة الأرضية ،فالحياة قديمة في النشوء ومتوافقة مع الظواهر الباعثة للحياة في نظامها المكون على الأساس الكربوني في بنيتها الحية ،ونظراً لعمقها القديم في التشكل فقد اهتمت الدراسات الجارية من قبل العلماء على الأحياء المتحجرة والمستحاثات والصور المطبوعة على الصخور التابعة لأحقاب تاريخية متعاقبة على قشرتها الصلبة ،وكلما ارتفعنا في نظام الأحقاب التاريخية نحو الأعلى لمعرفة نمو الحياة في العصر الحديث نجد تبايناً في تنوع الأحياء المنتمية لهذه الأحقاب ،وتغيرات جارية على بنيتها الحية ،ومن خلال ظهور التاريخ الحيوي للأحياء الظاهرة على الأرض يمكن أن يرافقه إشارات حيوية ناتجة عن ظهور الأحياء وهذه الإشارات يمكن أن تكون على شكل موجات منطلقة عن نظام حي بدأ في التشكل ،وليس من الغريب أن تكون حضارات أخرى قديمة الحياة في المجرى الكوني قد التقطت هذه الإشارات ، وشكلت انطباعا عن وجود حياة على كوكب الأرض ،وحاولت أن تتدخل أو تدخلت فعلاً في نظامها الحي ،لأن الإشارات الحيوية المرسلة عن وجود الحياة ،تستغرق زمناً هائلاً وهذا ما يدعو للتساؤل لماذا لم يظهر التنوع الهائل للأحياء إلا بعض مضي ثلاثة آلاف مليون سنة على ظهور البكتريا الحية ،فالحياة البالغة في القدم لغز يحير العقل لمعرفة المجريات الفاعلة في نظام تكوين الحياة وظهور الأحياء المعقدة في البنية والأشكال .
فالواقع القائم قبل وجود الحياة كان نظام من التفاعلات الكوكبية والصخور النيزكية المقذوفة من أجواء الكون على سطح الأرض ،وتصلب القشرة الأرضية المرافق لتزايد البرودة والمطر الدائم أعطى الانطباع لدى العلماء بأن حياة الطحالب تشكلت بعد عهد مديد من تصلب القشرة الأرضية ،وظهرت المستعمرات الطحلبية على مساحات كبيرة من البكتيريا الزرقاء على شكل مستعمرات بالغة الضخامة .
وفي نهاية العصر الكمبري ظهرت قلة من الحيوانات متعددة الخلايا في السجل الإحفوري القديم أثناء تغيرات متواصلة في الزحف القاري وتغير أوضاع اليابسة والبحار ، فالحركة الأرضية لم تكن مستقرة وفق نظام معين ، وإنما كانت تعاني من تبدلات في المناخ والمناطق الجغرافية ،وكانت تظهر ضمن هذا النظام من التغيرات أحياء قابلة للتطور والنمو ،وفي الدهر القديم وخلال تكون عصور ما بعد الكمبرى ظهرت بعض الرخويات واللافقاريات البسيطة في التكوين وتتابع الظهور التدريجي للكائنات الحية وفق متواليات زمنية متعاقبة في الطول الزمني فظهرت الحيوانات المدرعة والعقارب ذات الملاقط الضخمة والقشريات وثلاثيات الفصوص وفي العصر الديفوني ظهرت الأسماك المدرعة لكي تقاوم عقارب البحر العملاقة .
فالانتقال من الحياة المائية إلى الحياة على اليابسة لم يكن سهلاً كما توضح الدراسات الإحفورية خلال الأحقاب الزمنية المتعاقبة ،فقد استمرت الحياة ضمن الماء فترة طويلة لكي تكيف بعض الأحياء نفسها تدريجياً للتلاؤم مع الحياة البرية ،وفي العصر الكربوني استطاعت بعض الكائنات الحية أن تكيف نفسها داخل المياه الضحلة ،من خلال نمو جهاز رئوي بسيط يستطيع استيعاب الأكسجين الموجود في الهواء والاستفادة منه في عمليات الإستقلاب الغذائي ، وبدأت الأحياء بالانتشار في غابات ضخمة مكونة من أذناب الخيل والسراخس العملاقة المتشكلة من أسلاف حية ذات أساس بكتيري ، تطورت على شكل أشنيات أحادية الخلية ومن بعدها إلى أعشاب بحرية وصولاً إلى سراخس برمائية حتى بلغت مراتب متنوعة من أشجار عملاقة مختلفة التكوين ، ويذكر الباحثون في التاريخ الإحفوري للتوضعات الصخرية بأن نهاية عصر البرمي جرى حادث ضخم أدى إلى اصطدام القارات ببعضها وتشكيل قارة واحدة سميت ( بانجيا ) فأدى هذا الحادث إلى انقراض أكثرية الأنواع الحية المتواجدة في ذاك الزمن .
ومع تعاقب المتغيرات في البنية الأرضية ظهرت بعض الزواحف الشبيهة بالثدييات وبعض الأسلاف الأولى للديناصورات ،وضمن البقايا الأحفورية وجدت طيور ضخمة يمكن أن تكون قد تطورت عن زواحف أو برمائيات أو ديناصورات وفي العصر الترياسي إنتشرت فيه الديناصورات وتنوعت في وجودها ،ومنها نوع أختص بأكل اللحوم وأخرى من آكلات الأعشاب وشهدت نهاية عصر الكرتياسي إنشطار القارة الوحيدة الكبرى وتحولت إلى عدة قارات وتابعت زحفها حتى وصلت إلى مواقعها الحالية ،ونمت فيها الديناصورات والزواحف الضخمة والأشجار وغيرها من الكائنات ،غير أن نهاية هذا العصر شهدت فاجعة كبرى أدت إلى إنقراض الديناصورات والكثير من الأحياء الأخرى ،وأخلت المكان الطبيعي لظهور أنواع جديدة من الأحياء المتنوعة ومن خلال الانفصال القاري تطورت الأحياء في كل قارة بشكل منعزل ومفصول .
وتم الانتقال إلى الحقب الجيولوجي الثالث بتنوع غريب في عالم الأحياء حيث ظهر حيوان شبيه بالحصان وأخر بالفيل والماموث وتنوعت الأسماك والنباتات وظهور البرمائيات والفقمة والطيور المتنوعة وظهر القرد القديم ودب العصر الجليدي والحيوانات المدرعة والسلاحف والقشريات والمفصلايات وغيرها الكثير . وفي الحقب الرابع من الدهر الحديث عمّ عصر من الزلازل والجليد أدى إلى تبريد المناخ في جميع أنحاء العالم وظهور الإنسان الأول ( النياندرتال ) وكان قصير ممتلئ ويمتلك عظام قوية تناسب العصر الجليدي .
وتظهر الجماجم الأحفورية للإنسان المنتصب بأن الدماغ البشري كان ينمو باستمرار ،فتزايد الذكاء مع صناعة الأدوات واستخدامها في الحياة اليومية ،غير أن السجل الأحفوري لا يوضح تماماً ما يؤدي إلى القناعة الكاملة لكيفية إرتقاء الكائن البشري ،فالجمجمة البشرية كما هي عليه الآن من التكوين مفصولة عن عالم الأحياء الأخرى ولا يوجد لها تاريخ يوضح ميزاتها وخصائصها البنيوية والتكوينية المتتابعة ضمن نظام متكامل خلال تتابع ظهور الأحياء البرية ، بما يوحي بأن هناك حلقات مفقودة من النظام التطوري للأحياء ، وأغرب من ذلك بكثير التمايز الفريد للعنصر البشري عن بقية الكائنات الأخرى ، فالشيء الأساسي والهام في العنصر البشري تزايد الذكاء السريع والإبداع ، وقدرة التكيف والارتفاع فوق المصاعب بما يحقق التواصل والتزايد البشري بشكل جماعي مرتبط بوحدة عضوية وعقلية متوافقة مع نظام الحياة ، والتوجه نحو المسائل والكائنات الأخرى بما يضمن استيعابها جميعاً . فالذكاء والقدرة الإبداعية المتواصلة مكنت الإنسان من البقاء حياً على الرغم من أن سلوكه كان غير مناسب وسيئ ويسير ضد الإصطفاء الطبيعي ، وقد كان معادياً حتى لأبناء جنسه ، لقد نشر القتل والدمار والتخريب على طول الفترة التي عاشها مالكاً لنظام العقل والوعي وحتى هذه اللحظة .

المراجع المعتمدة :
1. إرينا كاروزينا: مبادئ البيولوجيا - دار مير للطباعة والنشر – موسكو – 1982
2. ليندا غاملين – سلسلة العلوم بالمشاهدة – النشوء والتطور –ترجمة- عدنان حسن- منشورات وزارة الثقافة –الجمهورية العربية السورية دمشق- 1998

ليست هناك تعليقات: